الجمعة، 3 أبريل 2020

من ارض الواقع

لون الحياة حالك، فلم يبقى لون سوى الأسود لترتديه الارض.
اكره الليل وسكونه، اكره لون السماء الأسود في الليل، اكره الأرق الذي يبقيني مستيقظة لأعيش الليل بكل حزنه، فبمجرد ان يرخى الليل سدوله على الكون في الليل وينام الناس ، يبقى هؤلاء ممن هم يبحثون عن تفسير متماسك للعالم ،يبحثون عن صياغة جديدة في عبارات اكثر اتساعا لألمهم لكي يفهمه الآخرون.
لعل القاريء يرى في النص كآبة حادة مزمنة، لن انكر وجودها، بل سأضيف بأن تلك الكآبة اخذه في احتلالي كاملاً بسبب تجاربي العنيفة الشخصية التي مررت بها.
لكن ما تقرأه ليست كآبة فقطبل ايضا جرعات من المناعة والحصانة ضد ما تجلبه لك الحياة من حزن عميق ، فكيف ستنجو يا عزيزي منالبؤس ان لم يكن لديك خطة واستراتيجية لمواجهته يوميا!؟
لقد جلب التفاؤل والآمل للمرء السعادة فما كانت إلا وتلاها الإحباط والحزن، ونسي مقولة أناتولي فرانس ( العالم مأساة كتبها شاعر ممتاز).
ان ما يربطنا بحميمية بذلك العالم هو الألم ، الآلم وحده هو الذي يجعلنا تتغلغل وتذوب بداخل العالم وبداخلنا لنرى أنفسنا عرايا تماما ،الألم وحده هو الذي يعريك امام نفسك لترى هشاشتك رؤيا العين فلا مكان للقوة امام الألم وكل ما يردده ممن حولك ما هي إلا كلمات عزاءوكليشيه، فالألم وهي في طريقها لتحتلك وتتحول الى معاناة دائمة وبؤس ابدي تجعلك ترى حقيقتك ، فلا تظن ان السعداء والمتفائلون يعلمون حقيقتهم كما تعلم انتولا يعلمون مدى هشاشتها وقوتهم كما تعلم انت ، فأنت اختبرت القوة والهشاشة لديك بقوة ، فأصبح الوعي يميزكعنهم.
لن يعلم احد حقيقته سوى البائس المتألم الذي لا يملك القدرة على النهوض من فراشه لايام وأيام وينسحب من التجمعات ، هؤلاء مرضى الاكتئاب الحاد والمزمن ، هم وحدهم من علموا حقيقتهم ، بل علموا الحقيقة بأسرها.
ان التجارب القاسية تفككك من الداخل تماما ومن ثم تعيد بنائك علي حسب ماهية التجربة وقسوتها.

عزيزي، لا شئ اسخف من الانسان الذي يكثر من نوعه لسبب أجهله!! فهو غير محصن من الالم وفقدان القريب، والحصانة هنا لا تكمن فيالعدمية والتشاؤم فقطبل ايضا في ان نملك خيار الانتحار في الوقت الذي يناسبنا، "انني احب من هم لا غاية لهم في الحياة سوىالزوال" *نيتشة -كتاب إنسان مفرط في انسانيته - الجزء الاول.

ان الانسانية في حالة صدمة ، وهل ستتفاجئ اذا أخبرتك بأنه لن يشفيها سوى " الحبولكن غالبية البشر لا تؤمن بالحب وإن آمنت فهيلا تعطي وإن أعطت فهو عطاء بيد مرتعشة.

عزيزي، معاناتك لن تُخلد ، فالجميع عانى على مر العصور والجميع يعاني حتى الان ، ولكن الفرق بينك وبينهم هو الوعي، الوعي بأنك تتألم وتعاني، الوعي بأن هناك ظلم موّرس ضدك ، انه الوعي بالألم.

ان الجميع يخاف الالم والمعاناة لانها تعرض الجميع للخطر، فالمرء الذي يعاني هو كالقنبلة الموقوتة التي تتأهب للإنفجار في اي لحظة - بلولديها القدرة على الانفجار عدة مرات ان أمكن - فستجد الذين يعانون ويتألمون ومتشائمون ينظر اليهم الحكام والآباء والأطباء النفسيين كالمرضى الذين يجب ان نعالجهم ونحتويهم سريعاً حتى لا ينتقموا مِمنّ هم سببوا تلك الألم او منّ هم تاجروا بألامهم وعاملوهم كملف فيدرج.

ان وجود الخير بجانب الشر شبه معدوم، فإن وجد الانسان خيرٌ ضئيل انغمس فيه وقال : هناك بالعالم خيرٌ كثير، فما يراه من خير هو نقطة في بحر الشر، وان التقى بأنسان طيب قال : العالم مازال بخيرفي حين ان المساحة التي يقف فيها الاثنان هو متر وسط مساحة كوكبالارض التي احتلها الشر والألم
واعلم يا عزيزي، بأن الحقيقة عدوة الحياة، فما ان أخبرتهم بأن الإله قد تخلى عنكم إلا وتجد الكره مصوب من افواههم نحوك، وما انأخبرتهم بان الوباء لن يذهب بالدعاء إلا ونبذوك احتقروك ، وما أخبرتهم بأن الرأسمالية تقتل إنسان تلو الاخر إلا واتهموك بالحقد وألقوك بالسجن، وما ان أخبرتهم بأن السلطة فاسدة وقامعة إلا وتجدهم يهللون (اكرم السلطة واخضع لها حتى ولو كانت تلك السلطة عرجاء)*نيتشةمن كتاب هكذا تكلم زرادشت.

وأنهي  لشوبنهاوران الألم هو الشعور الحقيقي والسعادة لا وجود لها على الإطلاق