الخميس، 25 مايو 2017

هل حقاً الحكم العسكري هو السبب في فساد البلاد؟

ردد المعظم هتاف "يسقط يسقط حكم العسكر" ، كنت أردده معهم بإيمانا راسخاً ان الحكم العسكري هو السبب الرئيسي في خراب البلاد .
دقيقة ؟ أليس الحكم العسكري هو منّ ساهم في الفساد والخراب !؟ لا أنكر ان حكم المؤسسة العسكرية للبلاد لعقود طويلة هي جزء أصيل في خراب والتخلف الذي وصل به البلاد .
ولكن - فلننظر بعينٍ أخرى و بإلقاء نظرة متعمقة على الامور اكثر فأكثر! تحليل العنف والفساد التي استخدمته المؤسسة العسكرية طيلة حكمها للبلاد - ما هي دوافعها وحججها ؟
هناك مبدأ فقهي ثابت - حيث ذهب أكثر من فقيه إلى عدم جواز الخروج على الحاكم وذلك درءاً للفتن ، وهذا يعزز رفض القيام بالثورات ضد الحكام الفاسدين - وتقبل الاوضاع كما هي عليه وهذا لأن هناك أيضاً مبدأ "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ، وهذا مبدأ يعزز الركود الاجتماعي والتخلف .
وقال الشيخ علي عبدالرازق في كتاب - الاسلام واصول الحكم : (أو لسنا مأمورين شرعاً بطاعة البغاة والعاصين وتنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا وكان في مخالفتهم فتنة تخشى)

هل المؤسسة العسكرية هي السبب الوحيد في ما وصلت به البلاد اليوم من ركود وفراغ سياسي !!؟
لربما الشيخ علي عبد الرازق - كتاب الاسلام واصول الحكم - ايضا هو منّ يجيب على هذا السؤال - فقد قيل ان المسلمين حظهم في العلوم السياسية كان الاسوء حظاً عن باقي العلوم الأخرى - وأن وجودها بينهم كان الاضعف وجود - فلسنا نعرف لهم مؤلفاً في السياسة ولامترجماً ولا نعرف لهم بحثاً في شيء من أنظمة الحكم ولا أصول السياسة - اللهم إلا قليلاً لا يقام له وزن !!

هل المؤسسة العسكرية هي التي أخترعت العنف ضد معارضيها والزج بهم في السجون والقاء الاتهامات وتخوين كل من يخالفها الرأي!؟
لربما التاريخ هو الذي سيجيب هذه المرة علينا ،، معركة أبي بكر ضد ما قيل عنهم انهم " مرتدين" - و ما هم بمرتدين - فقط انه ظلم التاريخ الذي ظهر لنا ان مجموعة من المسلمين رفضوا الاذعان لحكومة ابي بكر فبالتالي رفضوا دفع الزكاة ورفضوا الخضوع له ولحكومته .. ولكنهم عوّمِلوا كمرتدين وخارجين عن الملة ! وفي النهاية لُقبت حربهم بحروب الردة .
الماضي يشبه الحاضر ، التنكيل بالمعارضين سياسياً وتشويههم وقتلهم .. التشويه المتعمد لصورة الخصوم السياسيين هو كان اساس الماضي واليوم هو اساس الحاضر ، لهذا حين نقول ان التخلف جزءً منا - فلا عجب لهذا القول - لأن التخلف يأتي من الرجوع الى الخلف - وها نحن في قاع الماضي ! نحن التخلف يحيط بنا من كل جانب ،، نحن ابناء الماضي - نعيش على التراث .

المؤسسة العسكرية في مصر تبني قوتها على خوف ورعب الشعب ، تبني استبدادها على الخوف المسبق للشعب من رجال الدين والمؤسسة الدينية "الازهر - الكنيسة" .
أقتبس جملة عبدالرحمن الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد حين قال : الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني .
وقال ايضا عبد الرحمن الكواكبي : ويحكمون بأن بين الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك متى وجد أحدهما في أمة جرّ الآخر إليه أو متى زال زال رفيقه ، وإن صلح أي ضعف أحدهما صلح أي ضعف الثاني .. والحاصل ان كل المدققين السياسيين يرون ان السياسة والدين يمشيان متكاتفين ، ويعتبرون ان اصلاح الدين هو أسهل واقوى واقرب طريق للإصلاح السياسي .


هل المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي اعتقدت إنها تمتلك الحقيقة المطلقة ؟!
أيضاً التاريخ هو المجيب بأكثر من قصة - ولكن سأذكر قلة القليل منها :
- نبدأها بمأساة الفيلسوف أبن رشد حين حاول النهوض ودمج الفلسفة مع الدين الاسلامي ، وحاول تأويل النصوص الدينية وإعمال العقل لرفع الأمة الاسلامية ، ولكن مُلاك الحقيقة المطلقة كان لهم رأي آخر ! كان لهم أن يمنعوا أبن رشد من الصلاة في المسجد وأن يحرقوا أعماله وأن يتم نفيه .. وقتها رد أبن رشد العظيم بمقولته الشهيرة " شباب يحسبون الدين جهلاً-وشيب يحسبون الجهل ديناً" .. ومقولته التي حسم بها خلاف الدين والعقل : " الله لا يمكن ان يعطينا عقولاً ، ويعطينا شرائع مخالفة لها." .
- ثم نذهب الى معركة صفين التي كانت ضد معاوية بن ابي سفيان وعلي بن ابي طالب - والتي تعامل معها معاوية على انه مالك الحقيقة المطلقة ومالك الدين والتي رفع فيها المصاحف ضد علي وجنوده!!
- وعثمان بن عفان - الذي قاله مقولته الشهيرة "لا أخلع قميص ألبسنيه الله" ضد الثوار ضده - إيمانا منه بأنه مالك الحقيقة والحاكم المطلق!!

لقد انحصر حركة العقل العربي بين قطبين أحدهما النص الديني وثانيهما السُلطة السياسية ، وفي هذا الحصر انتهى العقل العربي الذي أصبح سجين الأن !! سجين رجال الدين ولواءات جيش .
عزيزي القاريء توقف عن الحديث عن مدى قسوة المؤسسة العسكرية بمصر! قسوتها مستمدة من قسوة المؤسسة الدينية التي تبرر لها كل ما تقوم به ، الأزمة ليست في المؤسسة العسكرية - الأزمة ليست في هذا المسئول او ذاك! الأزمة هنا امام رجال الدين وتفسيراتهم والنقل من التراث !!

نعم - أنا أدعو الى ثورة دينية - ثورة ضد استبداد المؤسسات الدينية أولاً وقبل كل شيء .
نعم - هتاف "يسقط يسقط حكم العسكري" غير دقيق ويفتقد الى المعنى الصريح ، لربما هتاف " يسقط يسقط الحكم الديني" أكثر شمولاً ووضوحاً وراديكالية .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.